فلسفة الهدف، (افعلوا الخير)، في 25 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

الأرض منذ زمن بعيد بدأ هذا المشروع الإستراتيجي، كوكب يعيش عليه مجموعة من الكائنات المختلفة والمتنوعة الأشكال والألوان والأنواع والأحجام؛ فمنها ما يأكل، ومنها ما لا يحتاج إلى الطعام، ومنها ما يأكل العشب أو اللّحم أو غير ذلك. منها الطويل والقصير، ومنها الضخم والضئيل، ومنها الصلب والليّن. هناك الكثير من الصفات التي تميّز الكائنات الأرضية، منها:


1) حدّة الحواس ودقتها.
2) اليقظة والانتباه الشّديد على مدار اليوم، حتى إنّ الكثير من الكائنات الأرضيّة لا تعرف النوم.
3) القدرة العالية على المعاملة المباشرة للطبيعة الأرضيّة التي يعيش فيها.
4) وأهم من ذلك كلّه حبّه الشديد والمستمر للعمل.
5) أنّ وجود الكائن الأرضي يبدأ بولادته وينتهي بوفاته؛ فالكائن الأرضي آني، يعيش اللّحظة، الماضي والمستقبل لا يشكلان له أي أهميّة.
6) الغريزة وحدها هي التي تنظم حياة الكائنات الأرضية، وهي تعني المعلومات والخصائص والصفات المنغرزة في عقل ونفس الكائن الأرضي،
والتي تتفاعل تلقائيا باندفاع شديد ناحية إشباع الحاجات الأساسيّة كالغذاء وحفظ النوع والدفاع عن النفس والتخلّص من الفضلات، ونادرا ما يلجأ الكائن الأرضي إلى التفكير والابتكار، وإن فعل فهو محدود جدا.
إنّه باستعراض القدرات العقليّة والنفسيّة للكائنات الأرضيّة، نجد أن بعضها يتقدم على الآخر، لكن أهم شيء يلح على عقل الكائنات الأرضيّة جميعها ويستحوذ على كل ملكاتها الماديّة والفكريّة، هو حل المشكلات التي تواجههم والتي هي بالأساس:
1) الحصول على الغذاء؛ فنجد أن بعض الكائنات يتفنّن في جمع غذائه إلى حد معاونة غيره في مجموعات صغيرة أو كبيرة، ثم تخزين الغذاء بطرق عالية في الكفاية لفترات طويلة، إمّا داخل جسده، وإمّا في أماكن معدة جيدا لذلك. ويتميز الكائن الأرضي بالتخلّص الجيد من الفضلات، والعجيب أن فضلات وجيفة الكائنات الأرضيّة جميعها لا تسبب مشاكل بيئيّة كما هو حال فضلات وجيفة الإنسان.
2) حماية النفس والجماعة، وذلك بطرق منضبطة، وبتكتيك جيد، وإن كان مكررا ويسير الفكرة.
3) حفظ النوع. يظن البعض أن انجذاب الذكر ناحية الأنثى في عالم الكائنات الأرضيّة، حالة عاطفة وتعبير عن مودة، لكنها في الحقيقة ليست أكثر من تفاعلات كيميائيّة لا عاطفة فيها؛ فالعاطفة ليس لها مكان بين الكائنات الأرضيّة، لكن ربما نجد طيفا رقيقا ودقيقا من المشاعر العاطفيّة في الثدييات بين الأم وصغيرها في فترة الحضانة فقط، أو جماعات الفيلة مثلا! إنّ أهم العيوب النفسيّة التي تعيب الكائن الأرضي الجفاء، وهو عدم وجود عاطفة تجذب الكائن الأرضي ناحية الأخر لمنفعته ومساعدته دون مقابل. الكائن الأرضي مشغول بنفسه، وكل أهدافه وخططه تتمحور حولها. ومن أهم المميزات النفسيّة للكائن الأرضي عدم التكّبر. الكائن الأرضي مشغول بنفسه، غير مهتم بمقارنة نفسه وإمكاناته بالآخرين، ولا بإذلال الآخرين في العادة، ولا بالشعور بالتفوق على أقرانه؛ فهو لا يعتدي ولا يقاتل غيره إلا لتأمين احتياجاته الأساسية. ويمكننا القول مهما بدا الصراع على البقاء بين الكائنات الأرضيّة حادا وشرسا، ومهما كان تعارض المصالح بينها واضحا ومؤكدا- فإنّ الكائنات الأرضيّة تظل منسجمة بدرجة كبيرة مع نفسها، وتشكّل مع الطبيعة التي من حولها توازنا دقيقا؛ فلا تحتاج منا لأي مساعدة، وتناشدنا عدم التدخل. وتبقى الكوارث الطبيعيّة هي فقط التي تؤثر على بقائها. تُرى لو أنّ الكائن الأرضي أعطي قدرات عقليّة وفكريّة أعلى ممّا هو عليه الآن كيف يمكنه أن يستفيد منها؟ و ما المجال الذي سوف يتطور في حياته؟ أغلب الظن أن لا شيء ذا بال سوف يتطور في أهداف الكائن الأرضي ولا في طموحاته المستقبليّة، إلا ما يأتي:
1) مهارة أعلى في الحصول على الطعام؛ فسوف نجد أن الثعالب مثلا تنشر على الأرض الكثير من الفخاخ والشراك لاصطياد الأرانب، ويمكننا أن نجد الأسود والنمور تنشئ حظائر لتربية وتسمين الأبْقار.
2) كفاية أعلى في تخزين الطعام.
3) كفاية أعلى في تجنّب المخاطر والهروب منها.
4) تزايد الرغبة في توسيع وحماية منطقه النفوذ.
5) براعة وسرعة القضاء على الخصوم الحاليّين والمحتملين.
أظن أنّه بمزيد من القدرات العقليّة والفكريّة للكائنات الأرضيّة، سيكون الفناء مصيرها المحتوم، إلا بعض الكائنات النشيطة العميقة الفكرة كالنمل أو النحل؛ فهي التي سيمكنها البقاء على قيد الحياة! إنّ وجود الكائن الأرضي يبدأ بولادته وينتهي بوفاته، فهل الإنسان كذلك؟ هل الإنسان كائن أرضي؟الإنسان ذلك الكائن الضعيف، يتكون من أربعة أجزاء: العقل، والنفس، والروح، والجسد. ويعدّ الجسد أضعف هذه الأجزاء، ومن مظاهر هذا الضعف أنّه:
1) لا يستطيع أن يسير علي قدميه حافيتين، أو أن يمشي لمسافات طويلة، أو أن يعدو بسرعة عالية.
2) لا يستطيع أن يبقى معرّضا للظروف الجويّة دون ثوب يحميه.
3) يداه ضعيفتان جدا بحيث لا يستطيع أن يؤدي بهما الكثير من الأعمال التي يحتاج إليها دون الاستعانة بالآلات والأدوات.
4) جهاز المناعة والعلاج الداخلي للإنسان ضعيف جدا، ولا يؤهله للحياة على الأرض؛ فلا يستطيع أن يأكل أو يشرب من الطبيعة مباشرة دون إعداد سابق لطعامه وشرابه، ابتداء من الزراعة وتربية الدواجن، ومرورا بالجمع والحصاد والتجهيز والتقطير والتنقية والمعالجة، وانتهاء بالطبخ ثم الأكل والشرب. يستخدم الإنسان آلاف المعدات والأدوات والوسائل والخطوات والإجراءات والمراحل حتى يأكل أو يشرب.
5) الإنسان كائن نؤوم، أي كثير وعميق النوم، يبدو عند نومه كأنّه يموت؛ فلابد له أن ينشئ البيوت والحصون ليحرس نفسه عند موته الصغير (النوم).
6) الإنسان كائن كسول، وسريعا ما يشعر بالتعب والإرهاق، ويميل إلى الراحة والدّعة والاعتماد على الآخرين.
إنّ المتأمّل للإنسان وحياته على الأرض يجعلك تسأله: أيّها الشقيّ، ما الذي أتي بك إلى هنا! ولأنّ الله عادل، رزق الإنسان العقل الذي يمكنّه من الابتكار والاختراع وإنتاج الأفكار والاكتشاف وحل المشكلات. لقد استطاع الإنسان أن يحل كل المشكلات الماديّة الطبيعيّة التي تواجهه، وأن يعوّض النقص في المهارات الذي يعاني منه، حتى إنّه استطاع احتواء الكوارث الطبيعيّة، ولم تعد ذات تأثير كبير على حياته. وإذا كان الإنسان استطاع النجاح في التغلّب على ضعف جسده باستخدام جيّد للعقل، فإن العقل الإنساني لم يستطع النجاح في تخطي الكثير من جوانب الضعف والقصور النفسيّة والأخلاقيّة التي تلازم نفسه منذ هبوطه على الأرض.
النفس، وهي البصمة الغيبيّة للإنسان، وهي دائما مضطربة وتحمل في طياتها المتناقضات، وفيها شيء يميز الإنسان عن الحيوان، هو العاطفة، والتي تعني الانجذاب ناحية الآخرين، والشعور بالسعادة بقربهم، والرغبة في تقديم خدمات ومنافع لهم دون مقابل فور طلبها أو قبله. من خلال العاطفة المتأججة استطاع الانسان إنشاء علاقة ودودًا بينه وبين الحيوانات، ولا نستغرب عندما نشاهد الإنسان ينشئ علاقة طيّبة وحنونا بينه وبين الجمادات! ومن العيوب النفسيّة للإنسان:
1) الرغبة في تحقيق التفوّق، الناتجة عن الشعور بالنديّة والتحفّز. وتكمن المشكلة في كون هذا المرض الخطير غير مدرج في قائمة الأمراض النفسيّة التي تصيب الإنسان. وعلى العكس من ذلك يعد الكثيرون منّا الرغبة في تحقيق التفوّق على الآخرين شعورًا طيبًا، يحفز الإنسان على العمل والنجاح.
2) الحقد والحسد والغيرة والكراهية. في البداية تكون الرغبة في تحقيق التفوّق، ثم الرغبة في الإضرار بالآخرين وتدمير منجزاتهم وإفنائهم أو إذلالهم، لأنّ ما بني على خطأ فهو خطأ. إن عدم إدراك الانسان أن الرغبة في تحقيق التفوّق والتميّز على الآخرين لا معاونتهم ومساعدتهم، خلق سيء، سيطور هذا الخلق غالبا في نفسه ليصبح جريمة؛ لذلك يجب على الإنسان العاقل أن يفرّق بين أن يكون أفضل وأن يكون الأفضل.
بهذه الصفات التعيسة يصبح الإنسان هو أكبر خطر يهدد حياة الإنسان؛ فالسؤال الملح إذن هو: لماذا أنت -أيّها الإنسان- جسد ضعيف ونفس مريضة!
الهدف هو الغاية التي يسعى الإنسان للوصول إليها، هو الأمل الذي يفني الإنسان عمره لتحقيقه. إنّ الأهداف التي يتخذها البشر في حياتهم على الأرض مختلفة: فمنها المادي المحدد، ومنها المعنوي القيمي، ولكل منهما مميزاته وعيوبه.
الهدف المادي المحدد، فيه يحدد الانسان لنفسه هدفًا ملموسًا، مثلا: النجاح في الوصول إلى منصب سياسي، أو النجاح في الوصول إلى درجة معينة من الثراء، أو النجاح في شغل درجة علمية أو وظيفيّة ما، أو النجاح في تحقيق حالة اجتماعية معيّنة. ومن مميزات اختيار هدف مادي محدد:
1) تحقيق الاستقرار النفسي للإنسان.
2) إمكانيّة وضع خطّة محدّدة لتحقيق الهدف ومتابعة تنفيذها.
3) إمكانيّة استشعار المخاطر التي تؤثّر على الخطة وتفاديها أو معالجتها.
4) الشعور بالسعادة والتفاؤل عند تحقيق الأهداف.
لكن هناك عيوب للأهداف الماديّة المحددة، منها:
1) لا ينجح الانسان عادة في الوصول إلى أهدافه.
2) وفي كل الأحوال عند النجاح أو الفشل أو النجاح الجزئي يموت الإنسان، أي تمر السعادة بالنجاح سريعا وتنقضي.
والفشل يعني الحزن واليأس والأسى، ونصف النجاح لن يصل بالإنسان إلى حالة الرضا.
الهدف المعنوي القيمي الأخلاقي. يقول الله: “واعملوا صالحا”ØŒ “وافعلوا الخير”. روي أنّ الله قال للنبي داوود: “يا داوود تخلّق بخلقي”.
العمل هو ذلك الشيء الذي يؤدّيه الإنسان بدأب واستمرار ونيّة سابقة. الصالح أي العمل الذي يقيم قيم الله. قيم الله هي أسماء الله وصفاته التي أمرنا الله بمحاولة تقليدها والعمل على التشبّه بها، وهي القيم الأخلاقيّة العليا. الفعل هو ذلك الشيء الذي يؤدّيه الإنسان لمرة واحدة أو دون نيّة سابقة. الخير هو الجمال. الجمال هو الكمال. الكمال هو وضع الأمور في مكانها ومناسبتها وغايتها. الخير هو إدخال البهجة والسرور على الآخرين وتحقيق منافع المحتاجين وتقديم العون لهم دون مقابل. ويعيب الأهداف القيميّة:
1) أنّها غير محددة وغير واضحة، كما أنّه يمكن تفسيرها بأكثر من شكل.
2) أنه يمكن أن تتسرب الجهود والإمكانيات البشريّة دون تحقيق منجزات حقيقيّة على الأرض.
لذا فانّ الهدف من وجود الإنسان الذي يجب أن يتّخذه الإنسان لنفسه ويسعى طوال حياته لتحقيقه، هو مزيج جيّد بين المحدد المادي والقيمي المعنوي المطلق، أي أن يحدد الإنسان أهدافًا ماديّة، ويضع لها خططًا تنفيذيّة دقيقة، في إطار قيميّ وأخلاقي، لكيلا يُزهَى الإنسان بنفسه عند النجاح، وينهار نفسيّا عند الفشل؛ فهو يعرف أنّه سيكافأ على المحاولة، ليعاود المحاولة.
يعلمنا الله أننا مخلوقون لكي نفعل فعل الله ونعمل عمل الله في الإطار المسموح لنا به، أي يجب علينا العمل على الخلق والإبداع والابتكار وحل المشكلات، كما يجب علينا تقديم الدعم المادي والمعنوي لكل من يحتاجه من أبناء جنسنا البشري أو لمن نشاركهم الحياة على الأرض. سواء أكان ذلك بشكل مخطط ومنظّم ومرتب مسبقا، أو كان بشكل عفوي وتلقائي. إن العمل على حل المشكلات التي تواجهنا أمر جيد جدا، وإن كان الهدف أن نشارك فيه جيراننا من الكائنات الأرضيّة. لكن الله يعلمنا أن الرحمة وحسن الخلق وفعل الخير أهم ما يميّز الإنسان عن الكائن الأرضي. أما أهم وأعظم ما يمكن أن يعمله الإنسان في حياته فهو التطلّع والتفكّر والبحث العلمي واكتشاف نفسه والوجود من حوله؛ يقول الله: “إنّ في خلق السماوات والأرض لآيات لأولي الألباب”ØŒ “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”ØŒ “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت”ØŒ “يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان”.
يمكننا أن نلخص كل ما سبق فيما يأتي:
إن الهدف الذي يجب أن يتبناه الإنسان طوال حياته على الأرض، قدر استطاعته:
1) عدم الظلم.
2) فعل الخير وتقديم المساعدة والمعاونة والمساندة دون مقابل.
3) البحث العلمي والخلق والإبداع.
إذا كانت الأرض مشروعا إستراتيجيّا ناجحا فإنّ الإنسان تجربة كونيّة؛ فهل ستنجح التجربة؟ الله أعلم!

Related posts

Leave a Comment